أحمل اعتقادا أن الحب لا يمكن أن يكون صادقا إلا إذا تدثر المحبون بالفضيلة وأقرب معنى للفضيلة لقلبي هو ما فسره أحمد أمين في كتاب الأخلاق حيث كتب: “الفضيلة هي الخلق الطيب، والخلق هو «عادة الإرادة» فإذا اعتادت الإرادة شيئا طيبا سميت هذه الصفة فضيلة، والإنسان الفاضل هو ذو الخلق الطيب الذي اعتاد أن يختار أن يعمل وفق ما تأمر به الأخلاق”
وعلى ما سبق يمكننا أن نقول إن الحب لا يمكن أن يجتمع مثلا والخيانة؛ ويرى الشخص المحب الإخلاص والصدق على أنه شيء مقدس في العلاقة.
وفي الحب شرف واكتفاء، لا يؤتمن من كان حبه يفتقر للالتزام والوفاء. في العلاقات السوية يرى المحب محبوبه بمثابة النعمة التي وهبها له الله عز وجل.
هذه الكلمات ربما تعكس نظرة غير مألوفة عن الحب، فقد شاع التحدث عن الحب كشعور رومانسي خالص وهذا بالتأكيد لا ضير فيه بل مطلوب أيضا- إن وجد- لتحسين جودة الحياة والشعور بلذة العيش.
و لكن الذي لا غنى عنه في علاقات الحب هي الفضائل، فالمتع نادرا ما تدعم الفضائل. ومن المشاهدات اليومية يتضح لنا أن الذي ينشد من الحب المتعة فقط على الأرجح يصير شخصا ملولا لأن المتع تنتهي وتترك صاحبها راغبا في المزيد فلا المتع أشبعته ولا المزيد أرضاه!
لذلك إن الفضائل وحدها هي الضامن لبقاء و استمرارية أي علاقة حب تجمع بين الرجل وامرأته.
وهي تهدي إلي سبيل الرشاد فإنك لا تجد لينا، صادقا، نقيا، وفيا، مخلصا إلا وقد أصلح الله له حياته وعلاقته بشريك حياته.
ولا تجد قاسيا، كاذبا، خبيثا، مخادعا إلا وقد نزلت به تلك الرذائل إلى أحط منازل الحياة وأسفل دركات الشقاء.
والفضيلة كما فسرها المنفلوطي: “ليست وسيلة من وسائل العيش او كسب المال وإنما هى حالة من حالات النفس تسمو بها إلى أرقي درجات الإنسانية وتبلغ بها غاية الكمال”
لذلك ولأن الحب سمو بالنفس تجد الرافعي في وحي القلم يقول: “إنّي أرى برهان ربي يا حبيبتي، وهو يمنعني أن أكون من سيئاتك، وأن تكوني من سيئاتي، ولو أحببتُ الأنثى لوجدتُكِ في كلِّ أنثى، ولكنّي أحبُّ ما فيك أنتِ بخاصّتك”
و مع الرافعي أيضا نكمل عن سمو النفس بالحب إذ يقول: “لا سمو للنفس إلا بنوع من الحب مما يشتعل إلى ما يتنسم من حب نفسك فى حبيب تهواه إلى حب دمك فى قريب تعزه إلى حب الإنسانية فى صديق تبره إلى حب الفضيلة فى إنسان رأيته إنساناً فأجللته وأكبرته ومن أغفل الله قلبه عن تلك الأربعة فلا حب ولا صلة ولا يألف ولا يؤلف فذلك هو الذى لا نفس له من نفوس الناس كأنه سبع من السباع الضارية”
ولا نستطيع أن نتكلم عن الفضيلة إلا إذا تكلمنا عن الضمير، لأن الضمير هو الآلة الفطرية التي تنظم وتطور أفعال الإنسان طبقا للتربية وبيئة النشأة.
لذلك يجب في بداية أي علاقة أن نتأكد من عمل تلك الآلة بشكل جيد في الطرف الآخر. إنها آلة الحساب الصغرى التى تحضرنا ليوم الحساب الأكبر.
من يحاسبه ضميره كل ليلة تأكد أنه ليس بعيدا عن الفضيلة والأخلاق. أما من غَيَبَ ضميره عنوة أو غُيِبَ عنه الضمير في مرحلة ما من حياته؛ فلن تستطيع معه صبرا!
ستكون عشرته مرهقة يتنفس الأكاذيب في يومه كما يتنفس الهواء، سيلوث الهواء من حولك بالنفاق، وألاعيب الحواة. فهو يقف في زاوية مهجورة، مظلمة من الحياة، بعيدة جدا عن الفضيلة و عن الأخلاق. لا ضمير يردعه ولا خلق يقومه؛ إنه الإنسان الملوث، الذي يغرق في روث الرذائل الخفية ثم يخرج في العلن لينظف نفسه في عباءة طهر الأنقياء.
والحب يصطبغ بصبغة طبائع الإنسان نفسه فيكشف ما فيه من قوة وضعف، وسمو أو انحطاط. ومن نوع الحب الذي يمنحه يمكن أن نفهم هل هو شخص حاضر الضمير، سامي الخلق، أم هو لا يعنيه من الحب سوى اللحظة الوقتية ومغامرات عبثية تكتب في سجلات إنجازاته الصبيانية، تحت مسمى “الحب”!
وعلى ما سبق يمكننا أن نقول أن لا حب دون فضائل، والفضائل هي الخلق الطيب و الخلق الطيب من التقوى و التقوى مرغمة للخلق على حبك.