السر في هروب البعض أو لجوئهم لبناء حياة موازية هو أن تلك الحياة دائما ما تكون نابضة بالإثارة تماما كمشاهد الأفلام والمسلسلات تبتعد كثيرا عن مسؤوليات الواقع والتزاماته، وملل التعود.
إنهم “يدمنون الحب ويدمنون الخوف المخلوط بروائح حرب” وفي علم النفس، ثبت أن المخاطرة والخروج من منطقة الراحة المعتادة، يحفز من شعور الخوف، الأمر الذي يتسبب في رفع مستويات هرمون الأدرينالين في الدم، ويحفز الشعور بالسعادة.
والمقصود بالحياة الموازية في هذا المقال، ليست هي الحياة التي تنشأ في عقلنا بالوهم ولا بالخيال فقط ولكن المقصود أيضا الحياة السرية التي تسير على الضفة المقابلة لحياة البعض.
فالبعض يتماهون تدريجيا مع قصص الحب في الأفلام والروايات وقصائد الشعر والأساطير حيث ينفصلون تماما عن عالمهم الحقيقي ليعيشوا ضمن عالم أو كون أو حياة موازية، بقوانين ذلك العالم وأخلاقياته ومستوياته الفكرية والشعورية التي قد تكون لا تتسق مع بيئتهم المحافظة، والمتدينة أو الريفية في بعض الأحيان وهذا ما يتسبب في الكثير من المصائب التي نعاني منها!
إذ ينسلخ هؤلاء الأشخاص من جلدهم ويتحررون من عباءة أصولهم في فجوة زمنية تقع بين الواقع العلني والعالم السري!
يصل بالبعض الأمر أن يتقمصوا أدوار الأبطال أو الملوك في الأساطير الرومانية، أو الإغريقية، أو الفرعونية، فتجد من يتقمص دور أوزوريس أو رمسيس أو أنطونيو ومحبوباتهم “إيزيس” وميريت أمون” و كليوباترا.
فيتخيل أن له زوجة ملكية “ميريت أمون” وأخرى تجوب الأرض شرقا وغربا وهي تتغنى بعشقه و تلملم في رحلتها أشلاء قصتها معه “إيزيس” فيبيت ليلا في أحضان الزوجة الملكية ويستيقظ صباحا مغردا بقصائد شعر في محبوبته السرية! ويعملون جاهدين على تحقيق ذلك بالفعل بدلا من تحسين واقعهم والتركيز على جوهر الحياة الذي نعيش من أجله وتفنى أعمارنا من أجله.
تلك الجهود المبذولة هباء تضعهم في مسار مختلف عن الحياة العادية التي يعيشها الناس العاديون، إنهم يحيون حياة موازية في عالم سري موازٍ بكل معنى الكلمة! فيخسرون أعمارهم ويخرجون من حلبة هذا الصراع المضلل صفر اليدين ! حياتهم المعلنة مهترئة وحياتهم السرية لم تلبِ إحتياجاتهم!
أكثر الأشخاص المعرضون لتلك الظاهرة هم الأشخاص الذين يشعرون بالعار من حدث ما في حياتهم أو يشعرون بالنقص والدونية والذين عانوا لفترات من حياتهم من قسوة مفرطة أو تدليل زائد.
الشاهد من الأمر أن بعض القصص هي مادة جيدة لفيلم سينمائي، لرواية، لمسرحية تشبع عطش الجمهور لحراك مشاعري ولكنها لا تصلح مادة حياة!
لا تقتبسوا من الوهم خيالا لملء فراغات الواقع، بل اصنعوا واقعا قويا يفوق جماله أحلام السندريلا وتمتليء صفحاته بمكارم أخلاق الفرسان.